إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار... - سورة البقرة الآية 164

  1. الجزء الثاني
  2. سورة البقرة
  3. الآية: 164

﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ وَاخۡتِلَٰفِ الَّيۡلِ وَالنَّهَارِ وَالۡفُلۡكِ الَّتِي تَجۡرِي فِي الۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ الۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ الرِّيَٰحِ وَالسَّحَابِ الۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾

[البقرة:164]

تفسير الآية

إنَّ مَشاهدَ الخلقِ في الكونِ عَظيمةٌ دَقيقة، يَنبغي أنْ يُنظرَ فيها بتَعمُّقٍ منْ جوانبِها العلميَّةِ والحِكْمية، ليُستدلَّ بها على الخالقِ الأعظم.

فهذهِ السماواتُ بارتفاعِها، وإحكامِ خَلْقِها، وما فيها منْ شُموسٍ وكواكب، وصخورٍ وذرَّات، وجاذبيَّةٍ ودوَران، وبُعدِها عنِ الأرض، أو بعضِها عَن بَعض، بمسافاتٍ لا تكادُ تُتَخيَّل، كملايينِ السنواتِ الضوئيةِ وما يُقالُ في هذا، عدا ما لم يُكتَشَفْ منها.

والأرضُ في جبالِها ووِهادِها، وبحارِها وأنهارِها، وخِصْبِها وصَحرائها، وإنسِها وجنِّها، وحيواناتِها وجمادِها، ونباتاتِها وأشجارِها، بملايينِ أصنافِها وأنواعِها، الدقيقةِ والعَجيبة، وأحيائها المائيةِ في سلوكِها ومعيشتِها، وما فيها مِنْ مَنافع، مِنْ مَعادنَ ولآلئ، وماءٍ وهواء، وكلِّ ما سُخِّر للإنسان.

ومَجيءُ النهارِ يَتلوهُ الليل، ثمَّ يَتلوهُ النهارُ وهكذا، مِنْ تعاقبِ النورِ والظُّلمَة، باستِمرارٍ ودقَّةٍ مُتناهية.

وهذهِ السفنُ والبواخرُ والأساطيلُ التي تَجري في البَحر، سخَّرَهُ اللهُ للناسِ هكذا ليَنتَفعوا بهِ في أسفارِهم، ونَقلِ بضائعِهمْ مِنْ مَكانٍ إلى آخر، وليَستَخرِجوا منهُ ما يَنفعُهمْ مِنْ مَؤونةٍ ومِيرةٍ وتِجارة.

والمطرُ الذي يَنـزلُ منَ السَّحابِ بأمرِ الله، تحيا بهِ زُروعٌ وثِمار، وأناسيُّ وحيَوانات، تُفَجَّرُ بهِ عيون، ويُخَزَّنُ منهُ في الأرضِ للآبار، بعدَ أنْ كانتِ الأرضُ يابِسةً لا حياةَ فيها.

وما نُشِرَ في الأرضِ مِنْ كلِّ حيّ، عاقلٍ وغيرِ عاقل، على اختلافِ أشكالِها وألواِنها ومنافعِها، وصِغَرِها وكِبَرِها.

وهذهِ الرياحُ بأنواعِها واتِّجاهاتِها، وما هوَ منها للرَّحمةِ وما هوَ منها للعَذاب، وما تَجمَعُهُ أو تُفَرِّقهُ منَ السُّحُب، فتقفُ بها في مكانٍ أو تسوقُها إلى حيثُ أمرَها الله، أو ما تَحمِلُهُ منْ حُبوبِ اللِّقاحِ منَ الأشجارِ والنباتاتِ المذكَّرةِ وتَضعهُ على المؤنَّثةِ لتُنتِجَ الثمارَ بإذنِ الله.

وهذهِ الغيومُ المنتَشِرَةُ فوقَ الأرض، في تَشكيلِها وأنواعِها ودلالاتِها، وحركتِها وتسخيرِها وانتقالِها.

كلُّ هذا وغيرهُ حقائقُ عظيمةٌ ودلالاتٌ بيِّنةٌ على وجودِ اللهِ ووَحدانيتِه، وقُدرتهِ وحكمتِه، هذا إذا تفكَّرَ بها الإنسان، وألقَى عنْ عقلهِ بَلادةَ الأُلفةِ وغِشاوةَ الغَفلة، ونظرَ في هذهِ المخلوقاتِ بفكرٍ متعمِّقٍ وحِسٍّ مُتَجَدِّد، وقلبٍ مُتَطلِّعٍ إلى الحقّ.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون