كانَ النَّاسُ على شَريعةٍ واحدةٍ منَ الحقّ، ثمَّ اختلَفوا وصَاروا يعبدونَ الأصنامَ وغيرَها، فأرسلَ اللهُ إليهمُ الأنبياءَ ليبشِّروهمْ بالجزاءِ الحسَنِ إنْ همْ أطاعوا وثَبَتوا علَى الحقّ، وليُخوِّفوهمْ منَ العِقابِ الشَّديدِ إنْ همْ خالَفوا وعصَوا. وأنزلَ معهمُ الكُتبَ بالحقِّ والعَدلِ والقولِ الفَصل، ليَتدبَّرَها الناسُ ويَتحاكموا إلى ما فيها مِنْ أوامرَ ونَواه، ففيها الحقَّ، ولا قولَ بعدَها.
وما اختلفَ في هذهِ الكتبِ إلاّ الذينَ نَزلتْ فيهمْ بعدَما قامَتْ عليهمُ الحُجَجُ ووَضَحَ لهمُ الأمرُ ورسَخَ في عُقولِهم. وما حملَهمْ على هذا الاختلافِ إلا الحسَدُ والطَّمَع، والظُّلمُ والهوَى، والخُصومَةُ واللَّجاجَة، والعِنادُ والتمرُّدُ على الحقّ، والتهالُكُ على الدنيا.
وقدْ هدَى اللهِ بلُطفهِ وتيسيرهِ المؤمنينَ إلى الحقِّ فيما اختُلِفَ فيهِ مِنْ ذلك، لصَفاءِ نُفوسِهم، واستِعدادِهمْ لقَبولِ الحقّ، فأقامُوا على الإخلاصِ للهِ وحدَه، وعبادتهِ على بيِّنةٍ واستِقامَة، واعتَزلوا الخلاف، وتَركوا الأهواءَ والنَّـزوات، والخُصومةَ والعِناد.
واللهُ يَهدي مَنْ يشاءُ مِنْ خَلْقهِ إلى الطريقِ المستَقيم، ممَّنْ يَعْلَمُ فيهمُ الرغبةَ في اتِّباعِ الهُدَى وتقبُّلِ الحقّ. وهوَ الهادي إلى سَواءِ السَّبيل.