هوَ اللهُ الواحِدُ الأحَد، الذي لا يُعْبَدُ بحقٍّ إلاّ هو، الحيُّ الدائمُ الباقي الذي لا يَعتريهِ الموتُ ولا سبيلَ للفَناءِ إليه، فهوَ ذو حياةٍ أزليَّةٍ لا بِدايةَ لها، وأبديَّةٍ لا نهايةَ لها، وهوَ الموجودُ القائمُ بتَدبيرِ كلِّ شَيءٍ وحفظِه، لا يَطرأ عليه فُتورٌ ولا يَغْلِبُ عليهِ وسَنٌ ولا نُعاس، فضلاً عنِ النومِ المُستَغرِق، فهوَ مُنَـزَّهٌ سُبحانَهُ عنْ هذا وذاك، لا يَغْفُلُ عنْ شَيءٍ لحظَة.
كلُّ ما في السَّماواتِ والأرضِ مُلكٌ لهُ وتحتَ سيطرتهِ وإرادتِه.
ولا يَتجاسَرُ أحدٌ على طَلبِ الشفاعةِ منهُ إلاّ بإذنه، فالكلُّ لهُ عبيد، خاضِعونَ لمشيئتِه، يَطلبونَ منهُ الإذن، ويَشفعونَ في حُدودِ المأذونِ لهمْ به، ولهُ المُلْكُ والعظَمةُ والجَلال.
وعِلْمُهُ مُطلَقٌ شامِلٌ كامِلٌ، مُحيطٌ بجَميعِ الكائنات، ماضِيها وحاضرِها ومَستَقبلِها، وما تُسِرُّهُ وما تُظهِرُه. ولا يَعرِفونَ شَيئاً مِنْ علمهِ إلاّ إذا أطلعَهم عليه، ممّا يناسبُ حالَهمْ وحاجتَهم، ممّا سخَّرَ لهمْ في الأرضِ وفي السماءِ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة فُصِّلَت: 53].
وقد وَسِعَ كرسيُّهُ السَّماواتِ والأرض.
ولا يُتْعِبُهُ حِفْظُ ما فيهما ولا يُثْقِلُهُ شيءٌ مِنْ ذلك، ولا ما بينَهما، بلْ هوَ سهلٌ عليهِ يَسير، فهوَ الرقِيبُ على جميعِ الكائنات، لا يَغيبُ عنهُ شيءٌ مِنْ حركاتِها، والأشياءُ كلُّها صَغيرةٌ ومَتواضِعَةٌ بالنسبةِ إلى قُدرتهِ وعظَمَتِه، وهيَ جميعاً مُحتاجَةٌ إلى حِفظهِ وتَدبيرِه.
وهوَ المُتَفرِّدُ بالعلوِّ والعظَمة، والجلالِ والجبَروت، الرفيعُ فوقَ خَلْقِه، المُتعالي عنِ الأشياءِ والأمثال، الكبيرُ الذي لا شيءَ أعظمُ منه.
ومهما عَلا إنسانٌ فلا يتجاوزُ مقامَ العبوديةِ للهِ العَظيم!
وهذهِ آيةُ الكرسيِّ، شأنُها عَظيم، وردَ في أحاديثَ صحيحةٍ أنَّها أعظمُ آيةٍ في القُرآنِ الكريم. كما صحَّ قولهُ صلى الله عليهِ وسلَّم: "مَنْ قرأ آيةَ الكرْسي ِّ دُبُرَ كلِّ صَلاةٍ مَكتوبة، لم يَمْنَعْهُ مِنْ دُخولِ الجنَّةِ إلاّ أنْ يَموت".