وانظرْ إلى هذا الذي مرَّ على قريةٍ خَرِبةٍ مُحَطَّمةٍ على قواعدِها، قدْ سقطتْ سقوفُها وجُدرانُها، ليسَ فيها أحد، ولا يَنطِقُ فيها شَيء. فوقفَ الرجلُ أمامَ هذا المشهدِ المحطَّمِ الميِّتِ البالي، وقال: كيفَ يُحيي اللهُ هذهِ القَريةَ بعدَ أنْ ماتَ فيها كلُّ شيء، فلا حِسَّ ولا حرَكة؟!
فأماتَهُ اللهُ مائةَ عام، ثمَّ أحياهُ بقُدرتِه، وقيلَ له: كمْ بَقيت؟
قال: بقيتُ يوماً أو أقلَّ! قيلَ له: بلْ بقيتَ مائةَ عامٍ مَيتاً! فانظرْ إلى قُدرتِنا على إماتَتِكَ وعلى إحيائك، وانظرْ إلى طعامِكَ وشرابِكَ كيفَ حَفِظْناه، فلمْ يَتعفَّنْ ولم يَتغيَّرْ طَعمُهُ كلَّ هذهِ المدَّةِ الطويلة، بلْ هوَ كما تركتَهُ قبلَ أنْ نُميتَك.
وهذا حمارُكَ الذي كنتَ راكباً عليه، انظرْ كيفَ نَخِرَتْ عظامهُ وتمزَّقتْ أوصالُه!
ولنَجعَلَكَ عِبرةً ودلالةً على البَعثِ بعدَ الموت.
وانظرْ إلى هذهِ العِظامِ المتفرِّقةِ لحمارِكَ كيفَ نرفعُ بعضَها إلى بعضٍ ونجمعُها في أماكنِها ونُلَبِّسُها لَحماً ونُحييها!
فلمّا تبيَّنَ لهُ كلُّ ذلك، وتَوضَّحَ لهُ الأمرُ عِياناً، أيقنَ بذلكَ تمامَ الإيقان، وقال: أعلمُ أنَّ اللهَ قادرٌ على كلِّ شيء، لا يَصعُبُ عليهِ أمر.