هلْ يُحِبُّ أحدُكمْ أنْ يكونَ لهُ بُستانٌ ظَليلٌ وارِف، فيه نخيلٌ وأعنابٌ تَجري منْ بينِها الأنهارُ العَذبةُ والجَداولُ الصَّافيةُ الرقرَاقة، ولهُ فيهِ ما يريدُ ويَتمنَّى منَ الثِّمارِ الطيِّبةِ اللَّذيذة، تَدرُّ عليهِ خيراً وبَركة، تَكفيهِ وتَكفي مَنْ يَعولُه، ولمّا كَبِرَ وشاخَ وعَجَزَ عنِ الغرْسِ والعَمل، ولهُ أولادٌ وأحفادٌ صِغارٌ لا قُدرةَ لهمْ على التكسُّب، جاءَهُ ريحٌ عاصِفٌ فيهِ نارٌ شَديدةٌ، فأحرقتِ البُستانَ كلَّه، ولم تُبقِ فيهِ شيئاً منَ الأشجارِ والثمار؟!
إنَّهُ مَثَلٌ ضربَهُ اللهُ "لرجلٍ غَنيٍّ يعملُ بطاعةِ الله، ثم بعثَ اللهُ لهُ الشيطانَ فعَمِلَ بالمعاصِي حتَّى أغرقَ أعماله"، كما فَسَّرَهُ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما، ورواهُ لهُ البخاريُّ في صَحيحِه.
فيكونُ المرءُ حَسَنَ العملِ في الأوَّل، كثيرَ الخيرِ والبِرِّ والإحسان، وعندما يَكبَرُ ويَقتربُ منَ الموتِ والحِساب، تَنعكسُ حالُه، فيَنقبضُ عنِ الخيرِ والعملِ الصَّالح، فلا يُرتجَى منهُ إحسان، فيَخونهُ عَمَلُهُ وهوَ أحوجُ ما يكونُ إليه، ويُحْرَمُ الأجرَ وهوَ أفقرُ ما يكونُ إليه.
فمَنْ يُريدُ منكمْ أنْ تَكونَ حالهُ مثلَ حالِ هذا، ومَنْ ذا الذي يُحِبُّ أنْ يكونَ مَصيرهُ مثلَ مصيرِه؟
إنَّها أمثالٌ وآياتٌ واضِحاتٌ يَضرِبُها اللهُ لكم، لتَتفكَّروا وتَعتبروا وتَعملوا بموجبِها.