أيُّها المؤمنون، إذا تَعاملتُمْ فيما بَينكمْ بمعاملاتٍ مؤجَّلةٍ فاكتُبوها، فإنَّهُ أثبتُ وأحفَظ، كما يأتي.
وليَكنِ الكاتبُ بَينكمْ شَخصاً يَكتبُ بالقِسطِ والحقِّ على ما اتَّفقتُمْ عليه، مِنْ غَيرِ زيادةٍ ولا نُقصان.
ولا يَرفُضِ العارفُ بالكتابةِ أنْ يَكتبَ لهمْ إذا طُلبَ منهُ ذلك، فإنَّ عليهِ أنْ يَكتبَ وفاءً للعلمِ الذي علَّمَهُ الله.
وليَقُلِ المـَدينُ ما عليهِ منَ الدَّيْن ليُكْتَب، ولْيَخْشَ اللهَ في قوله، وليَصْدُقْ ما في ذمَّتهِ ولا يَنقُصْ منهُ شيئاً، وليَذكرْ شرطَهُ وأَجَلَه.
فإنْ كانَ المـَدينُ سَفيهاً لا يُحسِنُ تَدبيرَ أمورِه، أو ضَعيفاً: صَغيراً، أو مَجنوناً، أو لا يَستطيعُ أنْ يُمليَ هوَ ويُبيِّنَ مقدارَ ما عليهِ ومُلابساتِه، لِعَيبٍ خَلْقيٍّ أو جَهلٍ أو أيِّ سببٍ آخَر، فليَتحدَّثْ عنهُ وليُّ أمرهِ أو القيِّمُ عليه، بالحقِّ والعَدل.
وأشهِدوا على عَقدِكمْ هذا اثنينِ منَ الشهداءِ عَدْلَينِ يَحُوزانِ على رِضاكِما. فإذا لم يَكونا رَجُلينِ فليَكنْ رَجلاً وامرَأتين، حتَّى إذا نَسِيتْ إحداهُما ذكَّرتْها الأخرى، فإنَّ واجبَها الأُسريَّ واهتمامَها وانشغالَها بأعمالِها الخاصَّة، وبُعدَها عنْ أمورِ البيعِ والعقودِ يُنسِيها ذلك، فتُذَكِّرُها الأخرَى بملابساتِ الموضوعِ فتَذْكُر.
وإذا دُعيَ الأشهادُ إلى الشهادةِ فليَستَجيبوا.
ولا تَمَلُّوا منْ أنْ تَكتبوا مُعامَلاتِ الديونِ ومدَّةَ إيفائها، سواءٌ كانتْ قليلةً أمْ كثيرة، فالكتابةُ أعدَل، وأثبَتُ للشاهدِ إذا رَأى خطَّهُ أو توقيعَه، فإنَّهُ منَ المحتملِ أنَّهُ لو لم يَكتبْهُ لم يَذكره. وهوَ أبعدُ منْ شُبهةِ الكذبِ والادِّعاء، الذي يُفضِي إلى التنازعِ بينَ المتعاقِدَين.
وإذا كانَ البيعُ حاضراً في مجلسٍ واحد، فلا بأسَ منْ عدمِ الكتابة، لتيسيرِ العمليّاتِ التجاريَّةِ وعدمِ تَعقيدِها، معَ الإشهادِ على ذلك.
والأمرُ هنا للإرشادِ والنَّدْبِ لا الوجوب، عندَ جمهورِ العلماء.
وكذا الأمرُ بكتابةِ الدَّيْنِ -كما جاءَ في أوَّلِ الآية- أمرُ نَدْبٍ واستحبابٍ وليسَ بفَرض، عندَ أكثرِ الفقهاء، لأمورٍ وأدلَّةٍ أخرَى في الموضوع. لكنَّ الكتابةَ أفضلُ وأحسنُ وأوثق، كما مرَّ في الآيةِ الكريمة. وصاحبُ الدَّيْنِ يَحتاطُ لذلك، فإذا لم يَكتبْهُ وحَدَثَ ما لا يُحمَدُ فلا يَلومنَّ إلا نفسَه.
ولا يَضُرَّ الكاتبُ فيَكتبَ عقدَ الدَّينِ بخلافِ ما يُملَى عليه.
ولا يَضُرَّ الشاهدُ فيُدليَ في شهادتهِ بخلافِ ما رَأى أو سَمع، أو يَكتُمَها.
كما أنَّ الكاتبَ والشاهدَ لا يُجبَرانِ على الكتابةِ والشهادةِ إذا اعتَذرا، وإذا فَعلا فلا يَتعرَّضانِ للضَّررِ منْ قِبَلِ العاقدَينِ لأيِّ سببٍ منَ الأسبابِ الخلافيَّةِ بينَهما.
واخشَوا اللهَ في معاملاتِكم، واتَّبعوا أمرَهُ واستَقيموا عليه، فإنَّ اللهَ يعلِّمُكمْ أحكامَهُ المتضمِّنةَ مصالحَكم، واللهُ عالِمٌ بحقائقِ الأشياءِ ومصالِحها وعواقِبها، ولا يَخفَى عليهِ حالُكم.